فصل: فصل: (الحكم إن قال: أنت طالق أو عبدي حر إن شاء الله)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكافي في فقه الإمام أحمد ***


باب‏:‏ صريح الطلاق وكنايته

لا يقع الطلاق بمجرد النية لأنه إزالة ملك فلا يحصل بمجرد النية كالعتق ولو قال‏:‏ أنت ونوى الطلاق وأشار بإصبعه لم يقع لأنه ليس من كنايات الطلاق ولا صريحة ولا يقع الطلاق إلا بصريح أو كناية فالصريح‏:‏ لفظ الطلاق وما تصرف منه لأنه موضوع له على الخصوص يثبت له عرف الشرع والاستعمال فإذا قال‏:‏ أنت طالق أو مطلقة أو طلقتك أو يا مطلقة فهو صريح وذكر أبو بكر في قوله‏:‏ أنت مطلقة رواية أخرى أنه ليس بصريح لأنه يحتمل أنه يريد طلاقا ماضيا والمذهب الأول لأنه متصرف من لفظ الطلاق فكان صريحا كقوله‏:‏ طلقتك ولو قيل له‏:‏ أطلقتك امرأتك‏؟‏ قال‏:‏ نعم كان صريحا لأن الجواب يرجع إلى السؤال فصار كالملفوظ به ولو قال‏:‏ قد كان بعض ذلك وفسره بتعليقه على شرط قبل لأنه محتمل وإن قال‏:‏ أنت الطلاق فهو صريح نص عليه لأنه لفظ بالطلاق وهو مستعمل في عرفهم قال الشاعر‏:‏

‏(‏فأنت الطلاق وأنت الطلاق‏.‏‏.‏‏.‏ وأنت الطلاق ثلاثا تماما‏)‏‏.‏

ويحتمل أن يكون صريحا لأنه وصفها بالمصدر وأخبر به عنها وهذا تجوز وفي لفظ الفراق والسراح وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ هو صريح اختاره الخرقي لأنه ورد في القرآن فهو كلفظ الطلاق‏.‏

والثاني‏:‏ ليس بصريح اختاره ابن حامد لأنه موضوع لغيره يكثر استعماله في غير الطلاق أشبه سائر كناياته ما عدا هذا فليس بصريح لأنه لم يثبت له عرف الشرع ولا الاستعمال وإن لطم زوجته وقال‏:‏ هذا طلاقك فهو صريح ذكره ابن حامد وذكره القاضي‏:‏ أنه منصوص أحمد لأنه أتى بلفظ الطلاق وكذلك على قياسه إن أطعمها وقال‏:‏ هذا طلاقك‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏صريح الطلاق‏]‏

وإذا أتى بصريح الطلاق وقع نواه أو لم ينوه جادا كان أو هازلا لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏ثلاث جدهن جد وهزلهن جد الطلاق والنكاح والرجعة‏]‏ رواه الترمذي وقال حديث حسن وإذا أراد التلفظ بغير الطلاق فسبق لسانه إليه كأن أراد‏:‏ أنت طاهر فسبق لسانه إلى‏:‏ أنت طالق أو أراد‏:‏ فارقتك بقلبي أو ببدني أو سرحتك من يدي أو سرحت رأسك أو طلقتك من وثاقي لم تطلق لأنه عنى بلفظه ما يحتمله فوجب صرفه إليه فإذا ادعى ذلك دين فيما بينه وبين الله تعالى لأنه محتمل فأما في الحكم فإن كان ذلك في حال الغصب أو سؤالها الطلاق لم يقبل لأنه يخالف الظاهر من وجهين مقتضى اللفظ ودلالة الحال وإن كان في غيرهما فظاهر كلام أحمد أنه يقبل لأنه فسر كلامه بما يحتمله احتمالا غير بعيد فقبل كما لو كرر لفظة الطلاق وأراد بالثانية التأكيد وعنه‏:‏ لا يقبل لأنه يخالف الظاهر فلم يقبل كما لو أقر بدرهم ثم فسره بدرهم صغير أو رديء وإن نطق بهذه الصلاة لم يقع الطلاق وجها واحدا لأنه وصل كلامه بما يغير مقتضاه فأشبه ما لو وصله بشرط أو قال‏:‏ له علي درهم صغير وإن قال‏:‏ طلقت زوجتي وقال‏:‏ أردت في نكاح غير هذا أو قال‏:‏ يا مطلقة وقال‏:‏ أردت من زوج قبلي دين في ذلك فأما في الحكم فإن لم يكن وجد لم يقبل لأنه لا يحتمله وإن كان وجد فهل يقبل‏؟‏ على وجهين لما ذكرناه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏أقسام غير الصريح من الألفاظ‏]‏

وما عدا الصريح في الألفاظ قسمان‏:‏

أحدهما‏:‏ ما لا يشبه الطلاق ولا يدل على الفراق كقوله‏:‏ اقعدي واقربي وقومي وكلي واشربي وأطعميني واسقيني وما أحسنك وبارك الله عليك وأنت جميلة أو قبيحة ونحو هذا فلا يقع به طلاق وإن نواه لأنه لا يحتمل الطلاق ولو أوقعناه لوقع بمجرد النية ولا سبيل إليه‏.‏

والثاني‏:‏ ما يشبه الطلاق ويدل على ما معناه فهو كناية فيه إن نوى به الطلاق وقع لأنه نوى بكلامه ما يحتمله وإن لم ينو شيئا ولا دلت عليه قرينة لم يقع لأنه ظاهر في غير الطلاق فلم يصرف إليه عند الإطلاق كما لا ينصرف الصريح إلى غيره وإن كان جوابا لسؤالها الطلاق وقع نص عليه لدلالة الحال عليه فإن الجواب مبني على السؤال فيصرف إليه كما لو قيل‏:‏ أطلقت‏؟‏ فقال‏:‏ نعم وإن أتى بالكناية حال الخصومة والغضب ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ يقع الطلاق لأن دلالة الحال تغير حكم الأقوال والأفعال لذلك كان قول حسان‏:‏

‏(‏فما حملت من ناقة فوق رحلها‏.‏‏.‏‏.‏ أبر وأوفى ذمة من محمد‏)‏‏.‏

مدحا جميلا وقول النجاشي‏:‏

‏(‏قبيلة لا يغدون بذمة‏.‏‏.‏‏.‏ ولا يظلمون الناس حبة خردل‏)‏‏.‏

هجاء قبيحا مع استوائهما في الخبر عن الوفاء بالذمة لدلالة الحال عليه‏.‏

والثانية‏:‏ لا يقع لأنه ليس بصريح في الطلاق ولا نوى به الطلاق فلم يقع به الطلاق كحال الرضى ويتخرج من جواب السؤال مثل ذلك ويحتمل التفريق بين الكنايات فيما كثر استعماله منها في غير الطلاق كقوله‏:‏ اذهبي واخرجي وروحي لا يقع بغير نية بحال لأنه أتى بما جرت العادة باستعماله بغير الطلاق كثيرا فلم يكن طلاقا كحال الرضى وما ندر استعماله كقوله‏:‏ اعتدي وحبلك على غاربك وأنت بائن وبتة إذا أتى في حال الغضب أو سؤال الطلاق كان طلاقا لدلالة استعمال المخالف لعادته في خصوص هذه الحال على إرادة الفراق فأما إن قصد بالكناية غير الطلاق لم يقع على كل حال لأنه لو قصد ذلك بالصريح لم يقع فالكناية أولى‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏كنايات الطلاق‏]‏

والكنايات ثلاثة أقسام‏:‏ ظاهرة وخفية ومختلف فيها‏.‏

فالظاهرة ستة ألفاظ‏:‏ خلية وبرية وبائن وبتة وبتلة وأمرك بيدك وفيها روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ هي ثلاث وإن نوى واحدة لأن ذلك يروى عن علي وابن عمر وزيد رضي الله عنهم ولم ينقل خلفهم في عصرهم فكان إجماعا ولأنه لفظ يقتضي البينونة بالطلاق فوقع ثلاثا كما لو طلق ثلاثا‏.‏

والثانية‏:‏ يقع ما نواه اختاره أبو الخطاب لحديث ركانة الذي قدمناه ولأنه أحد نوعي الطلاق فإذا نوى به واحدة لم يزد عليها كالصريح فإن لم ينو شيئا وقع ثلاثا وروى عن حنبل‏:‏ أنه يقع به واحدة بائنة لأنه لفظ البينونة دون العدد فوقعت واحدة بائنة بالخلع‏.‏

فأما الخفية فنحو اخرجي واذهبي وذوقي وتجرعي وأغناك الله لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته‏}‏ وأشباه هذا فهذا يقع به ما نواه لأنه محتل له وإن لم ينو شيئا وقعت واحدة لأنه اليقين‏.‏

وأما المختلف فيها فالحقي بأهلك وحبلك على غاربك وتزوجي من شئت واعتدي وغطي شعرك وأنت حرة وقد أعتقتك ولا سبيل لي عليك وأنت علي حرج ففيها روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ هي ظاهرة لأنها في معنى الظاهرة والأخرى في خفية لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخلت عليه ابنة الجون قال‏:‏ ‏[‏لقد عذت بعظيم الحقي بأهلك‏]‏ متفق عليه‏.‏

ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليطلق ثلاثا وقد نهى أمته عنه وقد روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏لسودة بنت زمعة اعتدي فجعلها طلقة‏]‏ متفق عليه وفي معنى هذه الفظات‏:‏ استبرئي رحمك وحللت للأزواج وتقنعي ولا سلطان لي عليك فيخرج فيها وجهان‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن قال‏:‏ أنت علي حرام‏]‏

فإن قال‏:‏ أنت علي حرام ففيه ثلاث روايات‏:‏

إحداهن‏:‏ أنها ظهار نوى الطلاق أو لم ينوه ذكره الخرقي لأن ذلك يروى عن عثمان وابن عباس ولأنه صريح في تحريمها فكان ظهارا كقوله‏:‏ أنت علي كظهر أمي‏.‏

والثانية‏:‏ هو كناية في الطلاق لأنه يروى عن علي وزيد وابن مسعود وأبي هريرة ولأن الطلاق تحريم فصحت الكناية عنه بالحرام كقوله‏:‏ أنت الحرج فإن لم ينو الطلاق كان ظهارا فعلى هذه الروية تكون كناية ظاهرة فيها من الخلاف مثل ما تقدم‏.‏

والثالثة‏:‏ أنه يرجع فيه إلى نيته إن نوى اليمين كان يمينا لأن ذلك يروى عن الصديق وعمر وعائشة رضي الله عنهم ولأنه تحريم لامرأة فكان يمينا كتحريم الأمة وإن قال‏:‏ أنت علي حرام‏:‏ أعني به الطلاق‏:‏ ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ أنه طلاق وهي المشهورة لأنه صريح بلفظ الطلاق‏.‏

والثانية‏:‏ هي ظهار لأنه لا يصلح كناية في الطلاق فلم يصير طلاقا لقوله أعني به الطلاق كقوله‏:‏ أنت علي كظهر أمي وإن قال‏:‏ أنت علي كظهر أمي ينوي به الطلاق كان ظهارا ولم يقع به الطلاق لأنه صريح في الظهار فلم يكن كناية في غيره ولو صرح به فقال‏:‏ أعني به الطلاق لم يصر طلاقا لأنه لا تصلح الكناية به‏.‏

وإن قال‏:‏ أنت علي كالميتة والدم ونوى به الطلاق فهو طلاق لأنه يشبه الطلاق فصح أن يكني به عنه وإن نوى الظهار كان ظهارا لأنه يشبهه وإن نوى اليمين كان يمينا لأنه يشبهها وإن لم ينو شيئا ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يكون ظاهرا لأن معناه‏:‏ أنت علي حرام كالميتة والآخر يكون يمينا ولا يكون طلاقا لأنه ليس بصريح فلا يقع الطلاق به من غير نية‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم تفويض الطلاق إلى الزوجة‏]‏

ويجوز للرجل تفويض الطلاق إلى زوجته لما روت عائشة قالت‏:‏ لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه بدأ بي فقال‏:‏ ‏[‏إني لمخبرك خبرا فلا عليك ألا تعجلي حتى تستأمري أبويك‏]‏ ثم قال‏:‏ إن الله تعالى قال‏:‏ ‏{‏يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها‏}‏ حتى بلغ‏:‏ ‏{‏فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما‏}‏ فقلت‏:‏ في أي هذا أستأمر أبوي‏؟‏ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ثم فعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت متفق عليه وهو على ضربين‏:‏

أحدهما‏:‏ تفويضه بلفظ صريح فيقول‏:‏ طلقي نفسك فلها أن تطلق نفسها واحدة ليس لها أكثر منها لأن الأمر المطلق يتناول أقل ما يقع عليه الاسم كما لو وكل فيه أجنبيا إلا أن يجعل إليها أكثر من ذلك بلفظه أو نيته نص عليه لأنه نوى بكلامه ما يحتمله والقول قوله في نيته لأنه أعلم بها ولها أن تطلق بلفظ الصريح والكناية مع النية لأن الجميع طلاق فيدخل في لفظه ولها أن تطلق متى شاءت لأنه توكيل في الطلاق مطلق فأشبه توكيل الأجنبي وقال القاضي‏:‏ يتقيد بالمجلس قياسا على التخيير‏.‏

والثاني‏:‏ تفويضه إليها بلفظ الكناية وهو نوعان‏:‏

أحدهما‏:‏ أن يقول‏:‏ أمرك بيدك فيكون لها أن تطلق نفسها ما شاءت ومتى شاءت لأنه نوع توكيل بلفظ يقتضي العموم في جميع أمرها فأشبه ما لو قال‏:‏ طلقي نفسك ما شئت ومتى شئت وقد روي عن علي في رجل جعل أمر امرأته بيدها قال‏:‏ هو لها حتى ينكل وعن أحمد ما يدل على أنه إن نوى واحدة فهي واحدة لأنه نوع تخيير فرجع إلى نيته كالتخيير‏.‏

والثاني‏:‏ أن يقول لها‏:‏ اختاري فليس لها أن تختار أكثر من واحدة إلا أن يجعل إليها أكثر من ذلك بلفظه أو نيته كما ذكرنا في قوله‏:‏ طلقي نفسك وليس لها أن تختار إلا عقيب تخييره قبل أن يقطعا ذلك بالأخذ في كلام غيره أو قيام أحدهما عن مجلسه لأن ذلك يروى عن عمر وعثمان وابن مسعود وجابر رضي الله عنهم ولأنه خيار تمليك فكان على الفور كخيار القبول وإن جعل إليها أكثر من ذلك بلفظه أو نيته أو قرينة فهو على ما جعل إليها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة‏:‏ ‏[‏فلا عليك ألا تعجلي حتى تستأمري أبويك‏]‏ وللزوج الرجوع فيما فوضه إليها قبل تطليقها لأنه نوع تفويض فملك الرجوع فيه كتوكيل الأجنبي وإن وطئها كان رجوعا لدلالته على رغبته فيها ورجوعه عما جعل إليها‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم ألفظا التخيير كقوله‏:‏ أمرك بيدك ونحوها‏]‏

ولفظة الخيار وأمرك بيدك كناية عن حق الزوج لأنه ليس بصريح في إرادة الطلاق فلم ينصرف إليه بغير نية وإن نوى به إيقاع الطلاق في الحال وقع لأنه يصلح كناية عن الطلاق فأشبه سائر كناياته وإن نوى به التفويض فطلقت نسها بلفظ صريح وقع من غير نية وإن لم تختر شيئا لم يقع بها شيء وكذلك إن اختارت زوجها لأن النبي صلى الله عليه وسلم خير أزواجه فاخترنه فلم يكن طلاقا قالت عائشة رضي الله عنها‏:‏ ‏(‏خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن طلاقا‏)‏ ولأنه تفويض للطلاق إليها فلم يقع به بمجرده طلاق كقوله‏:‏ طلقي نفسك وإن قالت‏:‏ قبلت فليس بشيء لأن ذلك ينصرف إلى قبول التفويض فهو كقبول التوكيل وأن قالت‏:‏ اخترت نفسي أو أهلي أو أبوي أو الأزواج أو ألا تدخل علي ونحو هذا مما يحتمل إرادة الطلاق فهو كناية يفتقر إلى النية لأنه ليس بصريح فاعتبرت النية فيه كالكنايات فإن نوت به الطلاق كان طلاقا وإلا فلا ويقع به واحدة إلا أن ينوي الثلاث إذا جعل إليها ثلاثا وإن ملكها ثلاث تطليقات بلفظه أو بنيته فطلقت ثلاثا وقع ثلاثا وإن طلقت أقل منها وقع لأن من ملك ثلاثا ملك واحدة كالزوج وإن قال‏:‏ اختاري فاختارت نفسها ونويا ثلاثا وقع الثلاث وإن نوى أحدهما طلقة والآخر أكثر منها وقعت طلقة لأن الطلاق يفتقر إلى تمليك الزوج وإيقاع المرأة فالزائد لم يوجد فيه إلا أحدهما فلم يقع‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن قال لزوجته‏:‏ وهبتك لنفسك أو لأهلك‏]‏

وإن قال لزوجته‏:‏ وهبتك لنفسك أو لأهلك فهو كناية وإن نوى به الإيقاع وقع وإن لم ينو الإيقاع في الحال فهو كناية عن حقهما يفتقر إلى قبولهم والنية من الزوج ومنهم لأنه ليس بصريح فإن نويا الطلاق دون العدد وقعت واحدة يملك الرجعة وإن نويا جميعا عددا وقع وإن نوى أحدهما أكثر من الآخر وقع الأقل لاتفاقهما عليه وإن ردوها لم يقع شيء لأنه تمليك للبضع فافتقر إلى القبول كقوله‏:‏ اختاري وإن باعها لغيره لم يقع به طلاق وإن نوى لأنه لا يتضمن معنى الطلاق لكونه معاوضة والطلاق مجرد إسقاط‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏تفويض الطلاق إلى غير الزوجة‏]‏

ويصح تفويض الطلاق إلى غير الزوجة لأنه إزالة ملك فصح التوكيل فيه كالعتق فإن قال لرجل‏:‏ طلق زوجتي أو أمرها بيدك فالحكم فيها كالحكم في جعل ذلك إلى الزوجة على ما مضى فإن وكل اثنين لم يملك أحدهما طلاقا منفردا وإن جعل إليهما طلاقا ثلاثا فطلقها أحدهما ثلاثا والآخر واحدة وقعت واحدة لاتفاقهما عليها ولو لم يبق من طلاقها إلا واحدة فطلقها الوكيل ثلاثا وقعت الواحدة لأن المحل لا يتسع لأكثر من هذا‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الطلاق بغير اللفظ‏]‏

لا يقع الطلاق بغير اللفظ إلا في موضعين‏:‏

أحدهما‏:‏ الأخرس‏:‏ إن أشار بالطلاق وقع طلاقه لأنه يحتاج إلى الطلاق فقامت إشارته فيه مقام نطق غيره كالنكاح ويقع في العدد ما أشار إليه لأن إشارته كلفظ غيره وأما غير الأخرس فلا يقع الطلاق بإشارته لأنه لا ضرورة به إليها فلم يصح منه بها كالنكاح‏.‏

الثاني‏:‏ إذا كتب طلاق زوجته ونواه وقع لأنه حروف يفهم منها صريح الطلاق أشبه النطق وإن كتب صريح الطلاق من غير نية ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ يقع لذلك‏.‏

والثانية‏:‏ لا يقع لأن الكناية تحتمل الطلاق وامتحان الخط وغيره فلم تطلق بمجردها كالكنايات وإن قصد بالكناية امتحان الخط أو غير الطلاق لم يقع لأنه لو قصد بالنطق غير الطلاق لم يقع فالكناية أولى وإن قصد غم أهله فظاهر كلام أحمد أنه يقع لأن ذلك لا ينافي الوقوع فيغم أهله بوقوع الطلاق بهم وعنه‏:‏ فيمن قصد تجويد الخط أنه يقع طلاقه لأنه يتنافى تجويد الخط وإيقاع الطلاق وإن ادعى إرادة ما ينفي وقوع الطلاق دين وهل يقبل في الحكم‏؟‏ يخرج على روايتين وإن كتبه بشيء لا يتبين ككتابته بإصبعه على وسادة أو في الهواء فظاهر كلام أحمد‏:‏ أنه لا يقع لأن الكتابة بما لا يتبين كالهمس بلسانه بما لا يسمع وقال أبو حفص‏:‏ يقع لأنه كتب حروف الطلاق أشبه كتابته بما يبين‏.‏

باب‏:‏ ما يختلف به عدد الطلاق

إذا قال لزوجته‏:‏ أنت طالق ثلاثا فهي ثلاث وإن نوى واحدة لأن لفظه نص في الثلاث لا يحتمل غيرها والنية إنما تصرف اللفظ إلى بعض محتملاته فإن قال‏:‏ أنت طالق واحدة فهي واحدة وإن نوى ثلاثا لأن لفظه لا يحتمل أكثر منها وكذلك إن قال‏:‏ أنت واحدة وإن قال‏:‏ أنت طالق ولم ينو عددا فهي واحدة وإن نوى ثلاثا أو اثنتين‏:‏ ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ لا يقع إلا واحدة لأن لفظه لا يتضمن عددا ولا بينونة فلم يقع به ثلاث كالتي قبلها‏.‏

والثانية‏:‏ يقع به ما نواه لأنه نوى بلفظ ما يحتمله بدليل أنه يصح تفسيره به فأشبه الكناية وإن قال‏:‏ أنت طالق طلاقا أو الطلاق وقع ما نواه لأنه صرح بالمصدر وهو يقع على القليل والكثير وإن أطلق وقع بقوله‏:‏ أنت طالق طلاقا واحدة لأنه اليقين وفي قوله‏:‏ طالق الطلاق روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ تطلق ثلاثا لأن الألف واللام للاستغراق‏.‏

والثانية‏:‏ تقع واحدة لأن الألف واللام اشتهر استعمالها في الطلاق لغير الاستغراق كقوله‏:‏ ‏[‏أبغض الحلال إلى الله الطلاق‏]‏ وإن قال‏:‏ فارقتك لزمه الطلاق ومن أكره على الطلاق وكذلك في غيره من الأجناس كقوله‏:‏ ‏[‏اغسليه بالماء‏]‏ و‏[‏عليك الصعيد‏]‏ و‏[‏تيمم بالتراب‏]‏ فيجب حمله على اليقين وهكذا إن قال‏:‏ أنت الطلاق أو الطلاق يلزمني أو لازم لي أو علي الطلاق أو أنت علي حرام أعني به الطلاق فحكم به على ما ذكرنا وقد نص أحمد فيمن قال‏:‏ أنت علي حرام أعني به الطلاق أنه ثلاث ومن قال‏:‏ أعني به طلاقا فهي واحدة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن قال‏:‏ أنت طالق كل الطلاق أو جميعه ونحو ذلك‏]‏

فإن قال‏:‏ أنت طالق كل الطلاق أو جميعه أو أكثره أو منتهاه طلقت ثلاثا لأن ذلك هو الطلاق الثلاث وإن قال‏:‏ أنت طالق كعدد الماء أو الريح أو التراب أو كألف طلقت ثلاثا لأنه يقتضي العدد فإن قال‏:‏ أنت طالق طلقة صعوبتها كألف قبل لأنه يحتمل ما قاله وإن قال‏:‏ أنت طالق ملء الدنيا أو اشد الطلاق أو أغلظه أو أطوله أو أعرضه طلقت واحدة لأن ذلك لا يقتضي عددا والطلقة الواحدة توصف بكونها ملء الدنيا ذكرها وإنها أشد الطلاق عليها لضررها به فلم يقع الزائد بالشك فإن نوى ثلاثا وقعت لأن اللفظ يحتملها‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن قال‏:‏ أنت طالق من واحدة إلى ثلاث‏]‏

وإن قال‏:‏ أنت طالق من واحدة إلى ثلاث طلقت طلقتين لأن ما بعد الغاية لا يدخل فيها بمقتضى اللفظ وإن احتمل دخوله لم نوقعه بالشك وعنه‏:‏ تطلق ثلاثا لأن ما بعد إلى قد يدخل مع ما قبلها كقوله‏:‏ ‏{‏وأيديكم إلى المرافق‏}‏‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم قوله‏:‏ أنت طالق طلقة في طلقتين‏]‏

وإن قال‏:‏ أنت طالق طلقة في طلقتين ونوى الثلاث وقع لأن ‏(‏في‏)‏ تستعمل في بعنى ‏(‏مع‏)‏ كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فادخلي في عبادي‏}‏ وإن نوى واحدة لم يقع أكثر منها لأنه إنما أوقع واحدة وإن أطلق ولا يعرف الحساب وقعت واحدة فتطلق بقوله‏:‏ أنت طالق ولا يقع بقوله‏:‏ في ثنتين شيء لأنه لا يعرف مقتضاه ويحتمل أنه إن كان في عرفهم استعمال ذلك للثلاث طلقت ثلاثا لأن الظاهر إرادة ما تعارفوه فإن نوى موجبه في الحساب احتمل أن تكون نيته كعدمها قاله القاضي واحتمل أن تطلق طلقتين وهذا قول ابن حامد ووجه القولين ما ذكرنا فيما إذا نوى العجمي بلفظ الطلاق موجبه عند العرب فإن كان يعرف الحساب وقع طلقتان لأن ذلك موجبه عندهم وإن لم ينو فقال أبو بكر‏:‏ يقع طلقتان لأنه موضوعه عندهم ويحتمل أن تقع واحدة لما ذكرنا في غير الحاسب‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم قوله‏:‏ أنت طالق طلقة بل طلقتين‏]‏

فإن قال‏:‏ أنت طالق طلقة بل طلقتين وقع طلقتان نص عليه لأن ما لفظ به بعد الإضراب يدخل فيه ما لفظ قبله فلم يلزمه أكثر منه كما لو قال‏:‏ له علي درهم بل درهمان وإن قال‏:‏ أنت طالق طلقة بل طلقة طلقت واحدة كما لو قال‏:‏ له علي درهم بل درهم وهكذا إن قال‏:‏ أنت طالق بل طالق نص عليه ويحتمل أن يقع طلقتان وإن نوى به طلقتين وقع طلقتان لأنه قصد إيقاع طلقتين بلفظين وإن قال‏:‏ أنت طالق بل هذه الأخرى طلقتا معا لأنه أوقعه بكل واحدة منهما فأشبه ما لو قال‏:‏ له علي هذا الدرهم بل هذا ولو قال‏:‏ أنت طالق واحدة بل هذه ثلاثا طلقت الأولى واحدة والثانية ثلاثا وإن قال‏:‏ أنت طالق هكذا وأشار بأصابعه الثلاث طلقت ثلاثا لأن التفسير يحصل بالإشارة بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏الشهر هكذا وهكذا وهكذا‏]‏ فإن قال‏:‏ أردت بعدد المقبوضتين قبل منه لأنه يحتمله‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم التطليق بجزء من الطلقة‏]‏

وإذا طلقها جزءا من طلقة طلقت واحدة لأن ذكر بعض ما لا يتبعض كذكر جميعه كما لو قال‏:‏ نصفك طالق وإن قال‏:‏ أنت طالق نصفي طلقة طلقت طلقة لأن ذلك طلقة وإن قال‏:‏ ثلاثة أنصاف طلقة طلقت طلقتين لأنه طلقة ونصف فيكمل النصف بالسراية فتصير طلقتين وإن قال نصف طلقتين طلقت واحدة لأن نصف الطلقتين طلقة وإن قال‏:‏ أدرت من كل واحدة جزءا طلقت طلقتين لأنه أقر على نفسه بما هو أغلظ وإن قال نصفي طلقتين وقعت طلقتان لأن نصفي الشيء كله وإن قال‏:‏ ثلاثة أنصاف طلقتين طلقت ثلاثا لأن نصف الطلقتين طلقة وقد كرره ثلاثا ويحتمل أن يقطع طلقتان ويكون معناه‏:‏ ثلاثة أنصاف من طلقتين وإن قال‏:‏ أنت طالق نصف طلقة ثلث طلقة سدس طلقة أو نصف وثلث وسدس طلقة طلقت طلقة لأن هذه أجزاء طلقة وإن قال‏:‏ نصف طلقة وثلث طلقة وسدس طلقة طلقت ثلاثا لأنه عطف جزء الطلقة على جزء آخر يدل على المغايرة فيقع جزء من كل طلقة ثم يكمل بالسراية وإن قال‏:‏ أنت نصف طالق طلقت واحدة كما لو قال‏:‏ نصفك طالق وإن قال‏:‏ أنت نصف طلقة طلقت واحدة كما لو قال‏:‏ أنت الطلاق‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن قال لأربع نسائه‏:‏ أوقعت بينكن أو عليكن طلقة‏]‏

فإن قال لأربع نسائه‏:‏ أوقعت بينكن أو عليكن طلقة طلقت كل واحدة طلقة لأن لكل واحدة ربع الطلقة ثم تكمل فإن قال‏:‏ طلقتين فكذلك عن أبي الخطاب لأنه إذا قسم لم تزد كل واحدة على طلقة وكذلك إن أوقع بينهن ثلاثا أو أربعا وإن أوقع بينهن خمسا طلقت كل واحدة طلقتين لأن لكل واحدة طلقة وربع فيكمل الربع طلقة وروى الكوسج عن أحمد إذا قال‏:‏ أوقعت بينكن ثلاث طلقات‏:‏ ما أرى إلا قد بن منه فظاهره أنه قد أوقع بكل واحدة ثلاثا لأن نصيب كل واحدة من كل طلقة ربع ثم يكمل بالسراية وهذا قول أبي بكر والقاضي وعلى هذا يتفرع ما أشبهه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن قال‏:‏ أنت طالق طلقة لا تقع عليك أو لا ينقص به عدد طلاقك ونحو ذلك‏]‏

فإن قال‏:‏ أنت طالق طلقة لا تقع عليك أو لا ينقص به عدد طلاقك أو لا شيء أو ليس بشيء طلقت لأنه أوقع الطلاق ثم وصفه بما لا يتصف به فلغت الصفة وبقي الطلاق بحاله وإن قال‏:‏ أنت طالق أو لا‏؟‏ لم تطلق لأنه لم يوقعه وإنما استفهم عنه فلم يقع والله أعلم‏.‏

باب‏:‏ ما يختلف به حكم المدخول بها وغيرها

إذا قال‏:‏ أنت طالق لغير مدخول بها طلقت واحدة لأنها بانت بالأولى فلم يقع بها ما بعدها لأنه أوقعه على بائن وكذلك كل طلاق يترتب في الوقوع كقوله‏:‏ أنت طالق ثم طالق أو طالق فطالق أو طالق بل طالق وطالق أو طالق طلقة فطلقة أو طلقة قبل طلقة أو بعد طلقة أو بعدها طلقة لم يقع إلا واحدة كذلك وإن قال‏:‏ أنت طالق طلقتين طلقت طلقتين لأنه أوقعهما معا في محل قابل لهما ولو قال‏:‏ أنت طالق طلقة معها طلقة طلقت طلقتين لأن لفظه يقتضي وقوعهما معا وكذلك لو قال‏:‏ أنت طالق وطالق طلقت طلقتين لأن الواو تقتضي الجمع دوت الترتيب فأشبهت ما قبلها فإن قال‏:‏ أنت طالق طلقة قبلها طلقة فكذلك في قول أبي بكر لأنه تعذر وقوع الثانية قبل الأولى فوقعت معها وقال القاضي‏:‏ لا يقع إلا طلقة لأنه أوقعهما مرتبتين فتقع الأولى وتلغو الثانية كقوله‏:‏ طلقة قبل طلقة ومتى قل شيئا من ذلك لمدخول بها طلقت طلقتين لأنها لا تبين بالأولى ولو قال لها‏:‏ إن قمت فأنت طالق وطالق وطالق أو أنت طلق وطالق وطالق إن قمت أو قال‏:‏ إن قمت فأنت طالق إن قمت فأنت طالق إن قمت فأنت طالق فقامت طلقت ثلاثا مدخولا بها أو غير مدخول بها لأنه لا ترتيب فيه وإن قال‏:‏ إن قمت فأنت طالق ثم طالق ثم طالق فقامت طلقت واحدة إن كانت غير مدخول بها وثلاثا إن كان دخل بها‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا قال لزوجته المدخول بها‏:‏ أنت طالق طلقة قبلها طلقة‏]‏

وإذا قال لمدخول بها‏:‏ أنت طالق طلقة قبلها طلقة وقال‏:‏ أردت أنني طلقتها في نكاح آخر أو طلقها زوج قبلي دين وهل يقبل بالحكم‏؟‏ فيه ثلاثة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ يقبل لأنه يحتمل أنه يريد ذلك‏.‏

والثاني‏:‏ لا يقبل لأنه يخالف الظاهر‏.‏

والثالث‏:‏ إن كان وجد قبل لأن احتمال إرادة ذلك شائع ولا يقبل إن لم يكن وجد لأنه كذب وإن قال‏:‏ بعدها طلقة وقال‏:‏ أردت طلقة أوقعها فيما بعد دين وهل يقبل الحكم‏؟‏ على روايتين وإن قال‏:‏ أردت بقولي‏:‏ أنت طالق أنت طالق التأكيد بالثانية قبل منه لأنه محتمل لما قاله وإن أطلق طلقت طلقتين لأنه اللفظ الثاني كالأول فيقتضي من الوقوع ما اقتضاه الأول وإن قال‏:‏ أنت طالق طالق فهي واحدة لأن اللفظ الثاني لا يصلح وحده للاستئناف فينصرف إلى التأكيد كقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏فنكاحها باطل باطل‏]‏ وإن قصد بالثاني الإيقاع طلقت طلقتين ويقدر له ما يتم الكلام به وإن قال‏:‏ أنت طالق وطالق وطالق فهي ثلاث فإن قال‏:‏ أردت بالثانية التوكيد دين ولم يقبل في الحكم لأنه غير بينهما بحرف وإن أراد بالثالثة التوكيد قبل في الحكم لأنها مثل الثانية في لفظها وكذلك إذا قال‏:‏ أنت طالق فطالق فطالق أو طالق ثم طالق ثم طالق وإن قال‏:‏ أنت طالق وطالق فطالق أو طلق فطالق ثم طالق وقال‏:‏ أردت التوكيد لم يقبل لأنه غاير بين الحروف وإن غاير بين الألفاظ فقال‏:‏ أنت مطلقة أنت مسرحة أنت مفارقة وقال‏:‏ أردت بالثاني والثالثة التوكيد قبل لأنه لم يغاير بين الحروف العاملة في الكلام بخلاف التي قبلها‏.‏

باب‏:‏ الاستثناء في الطلاق

يصح الاستثناء في الطلاق لأنه لغة العرب ونزل به القرآن وقال أبو بكر‏:‏ لا يصح في عدد الطلقات لأنه لا سبيل إلى رفع الواقع منها والمذهب الأول لأنه استثناء في الطلاق فجاز كما في عدد المطلقات وليس الاستثناء رفعا لواقع إذ لو كان كذلك لم يصح في الإقرار ولا في عدد المطلقات وإنما يمنع دخول المستثنى في الدخول في المستثنى منه ولا يصح استثناء الكل ولا الأكثر وفي استثناء النصف وجهان لما نذكره في الإقرار فإذا قال‏:‏ أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا أو إلا طلقتين طلقت ثلاثا وإن قال‏:‏ أنت طالق ثلاثا إلا طلقة وطلقتين أو إلا طلقة وطلقة ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ لا يصح الاستثناء لأن العطف بالواو يجعل الجملتين جملة واحدة فيكون مستثنيا للأكثر أو الكل‏.‏

والثاني‏:‏ يصح لأن الاستثناء الأول يمكن تصحيحه فلا يبطل ببطلان غيره وإن قال‏:‏ أنت طالق طلقتين وطلقة إلا طلقة ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يصح الاستثناء لما ذكرنا‏.‏

والثاني‏:‏ لا يصح لأن الاستثناء يعود إلى ما يليه فيصير مستثنيا للكل ولأن تصحيحه يجعل المستثنى والمستثنى منه لغوا وإن قال‏:‏ أنت طالق وطالق وطالق إلا طلقة أو طالق طلقتين ونصفا إلا طلقة أو إلا نصف طلقة فكذلك لما ذكرنا ولو كان العطف بغير الواو لغا الاستثناء وجها واحدا وإن قال‏:‏ أنت طالق خمسا إلا طلقتين لم يصح لأنه إن عاد إلى الخمس بقي بعده ثلاث وإن عاد إلى الثلاث لم يصح لأنه استثنى الأكثر وإن قال‏:‏ إلا طلقة ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ لا يصح لأنه استثناء واحدة من خمس فبقي أربع‏.‏

والثاني‏:‏ يصح ذكره القاضي‏:‏ فيقع طلقتان لأن الاستثناء يعود إلى ما ملكه من الطلقات دون ما زاد ولا يصح الاستثناء من الاستثناء في الطلاق إلا في مسألة واحدة وهو قوله‏:‏ أنت طالق ثلاث إلا اثنتين إلا واحدة في أحد الوجهين بناء على استثناء النصف وإن قال‏:‏ أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا إلا واحدة لم يصح لأن الاستثناء الأول باطل فلا يصح الاستثناء منه ويحتمل أن يعود استثناء الواحدة إلى أول الكلام لتعذر عوده إلى ما يليه فيقع طلقتان‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم قوله‏:‏ أنت طالق ثلاثا واستثنى بقلبه إلا واحدة‏]‏

وإن قال‏:‏ أنت طالق ثلاثا واستثنى بقلبه إلا واحدة طلقت ثلاثا لأنه يسقط ما يقتضيه نصف بالنية فلم يصح وإن قال لنسائه‏:‏ أربعتكن طوالق واستثنى بقلبه إلا فلانة لم يصح كذلك وإن قال‏:‏ نسائي طوالق ونوى إلا فلانة صح ولم تطلق لأنه لم يسقط اللفظ وإنما يستعمل العموم في الخصوص وذلك شائع وإذا ادعى ذلك دين وهل يقبل في الحكم‏؟‏ على روايتين‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا قال لزوجته‏:‏ إذا حلفت بطلاقك فأنت طالق‏]‏

إذا قال لزوجته‏:‏ إذا حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم قال‏:‏ إن خرجت فأنت طالق وإن لم تخرجي فأنت طالق أو إن لم يكن هذا القول حقا فأنت طالق طلقت في الحال لأنه حلف بطلاقها وإن قال‏:‏ إن طلعت الشمس أو قدم الحاج فأنت طالق ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ لا تطلق حتى تطلع الشمس ويجيء الحاج لأن الحلف ما قصد به المنع من الشيء أو الحنث عليه أو التصديق وليس في طلوع الشمس وقدوم الحاج شيء من هذا هذا قول القاضي في المجرد وابن عقيل‏.‏

والثاني‏:‏ أنه حلف لأنه تعليق على شرط فكان حلفا كما لو قال‏:‏ إن خرجت فأنت طالق هذا قول القاضي في الجامع وأبي الخطاب وإن قال‏:‏ إذا شئت فأنت طالق أو إذا حضت أو إذا طهرت فأنت طالق لم يكن حلفا وجها واحدا لأن تعليقه على المشيئة تمليك وتعليقه على الحيض طلاق بدعة وتعليقه على المطهر طلاق سنة فإن قال‏:‏ إذا حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم أعاده ثانية طلقت واحدة لأنه حلف بطلاقها فإن أعاده ثالثا طلقت ثانية فإن أعاده رابعا طلقت ثلاثا لأن كل مرة يوجد به صفة طلاق وتنعقد بها صفة أخرى ومثله لو قال‏:‏ إن كلمتك فأنت طالق وكرره أربعا طلقت ثلاثا كذلك ولو قال لمدخول بهما‏:‏ إذا حلفت بطلاقكما فأنتما طالقتان وكرره أربعا طلقتا ثلاثا فإن كانتا غير مدخول بهما بانتا إذا أعاده مرة ثانية ولم يقع بهما بعده طلاق فإن كانت إحداهما مدخولا بها والأخرى غير المدخول بها فأعاده مرة طلقت المدخول بها طلقة رجعية والأخرى طلقة ثانية فإن أعاده ثانيا لم تطلق واحدة منهما لأن شرط طلاقهما الحلف بطلاقهما ولم يحلف به لأن غير المدخول بها لا يصح الحلف بطلاقها وإن قال لمدخول بهما لإحداهما‏:‏ إن حلفت بطلاقك ضرتك فأنت طالق ثم قال للأخرى‏:‏ مثل ذلك طلقت الأولى وإن أعاده للأولى طلقت الأخرى وكلما أعاده لامرأة طلقت الأخرى وإن قال‏:‏ كلما حلفت بطلاقك فضرتك طالق ثم قال مثل ذلك لضرتها طلقت فإن أعاده للأولى طلقت الضرة فإن أعاده للثانية طلقت الأولى وكلما أعاده لامرأة طلقت ضرتها حتى تكمل ثلاثا وإن كانت إحداهما غير مدخول بها فطلقت مرة لم تطلق أخرى ولم تطلق الأخرى بإعادته لها لأنه ليس بحلف بطلاقها لكونها بائنا‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم استعمال الطلاق أو العتاق استعمال القسم‏]‏

وإن استعمل الطلاق أو العتاق استعمال القسم وأجابه بجوابه فقال‏:‏ أنت طالق لأقومن أو ما قمت أو لقد قمت أو إني لقائم وبر لم يقع الطلاق لأنه حلف بر فيه فلم يحنث كما لو حلف بالله وإن حنث وقع طلاقه وإن قال‏:‏ أنت طالق لولا أبوك لطلقتك وكان صادقا لم تطلق وإن كان كاذبا طلقت‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏ الحكم إذا قال‏:‏ إن كلمتك فأنت طالق‏]‏

إذا قال‏:‏ إن كلمتك فأنت طالق فاعلمي ذلك أو فتحققيه طلقت لأنه كلمها بعد عقد اليمين إلا أن يريد بعد انقضاء كلامي هذا ونحوه وإن زجرها فقال‏:‏ تنحي أو اسكتي حنث لأنه كلام وإن سمعها تذكره فقال‏:‏ الكاذب لعنه الله حنث لأنه كلمها وإن قال‏:‏ إن بدأتك بالكلام فأنت طالق فقالت‏:‏ إن بدأتك الكلام فعبدي حر انحلت يمينه بيمينها لأنها كلمته فلم يكن كلامه لها بعد ذلك بداية فإن كلمها انحلت يمينها لأنها لم تبدأه ما لم يكن لهما نية وإن قال‏:‏ إن كلمتما هذين الرجلين فأنتما طالقتان فكلمت كل واحدة واحدا ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يطلقان لأن تكليمهما وجد منهما‏.‏

والثاني‏:‏ لا يطلقان حتى تكلم كل واحدة الرجلين معا لأنه علق طلاقهما على فعليهما معا ولو قال‏:‏ إن ركبتما هاتين الدابتين فأنتما طالقتان طلقتا إذا ركبت كل واحدة دابة لأن العرف في ركوب دابتيهما أن يركب كل واحد دابته ولو قال‏:‏ أنت طالق إن كلمت زيدا ومحمد مع خالد لم تطلق حتى تكلم زيدا في حال يكون محمد مع خالد لأن الجملة حال للجملة الأولى إلا أن يريد بكلامه الاستئناف فتطلق بكلام زيد بكل حال وقال القاضي‏:‏ يحنث بكلام زيد لأن الجملة الثانية استئناف لا تعلق لها بالأولى وإن قال‏:‏ من بشرتني بقدوم أخي فهي طالق فأخبره بذلك زوجتاه وهما صادقتان طلقت الأولى وحدها لأن البشارة خبر يحصل به سرور أو غم وإنما تحصل بالأول وإن كانتا كاذبتين لم تطلق واحدة منهما لأنه لا سرور في الكذب وإن كانت الأولى كاذبة والثانية صادقة طلقت الثانية وحدها لذلك وإن قال‏:‏ من أخبرتني بقدوم أخي فهي طالق فقال القاضي‏:‏ هي كالتي قبلها سواء لأن المراد من الخبر الإعلام ولا يحصل إلا بالخبر الأول الصدق ويحتمل أن تطلق الثانية والكاذبة لأن الخبر يقع على الجميع‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا قال‏:‏ أنت طالق إن شئت ونحو ذلك‏]‏

إذا قال‏:‏ أنت طالق إن شئت أو متى شئت أو غير ذلك من الحروف فقالت‏:‏ قد شئت طلقت سواء شاءت على الفور أو التراخي لأنه تعليق للطلاق على شرط فأشبه سائر التعليق وإن قالت‏:‏ قد شئت إن شئت أو إن شاء أبي لم تطلق وإن شاء لأنها لم تشأ إنما علقت مشيئتها بمشيئته كما لو قالت‏:‏ قد شئت إذا طلعت الشمس ولو قال‏:‏ أنت طالق إن شاء زيد فشاء وهو مجنون أو طفل لم تطلق لأنه لا مشيئة لهما وكذلك إن شاء وهو سكران وخرجه أصحابنا على روايتين في طلاقه وإن شاء وهو مميز طلقت لأن له مشيئة ولذلك صح اختياره لأحد أبويه وخوطب بالاستئذان في العورات الثلاث وإن كان أخرس فأومأ بمشيئته طلقت لأن إشارته كنطق غيره وإن كان ناطقا فخرس فكذلك لأنه من أهل الإشارة ويحتمل أن لا يحنث لأن إشارته لا يعتد بها في تلك الحال في الشرع وإن مات أو جن لم تطلق لأنه لم يشأ وحكي عن أبي بكر‏:‏ أنها تطلق وإن قال‏:‏ أنت طالق إن شاءت البهيمة فهو تعليق للطلاق على المستحيل وإن قال‏:‏ أنت طالق لمشيئة أبيك أو رضاه طلقت في الحال لأن معناه‏:‏ ليرضى أو لكونه شاء فإن قال‏:‏ أردت تعليقه بذلك قبل منه لأن ذلك يستعمل للشرط في قوله‏:‏ أنت طالق للسنة فإن قال‏:‏ أنت طالق إلا أن تشائي فشاءت في الحال لم تطلق وإن لم تشأ طلقت لأنه أوقعه عليها إلا أن ترفعه مشيئتها فإذا لم يوجد ما يرفعه وقع وإن قال‏:‏ أنت طالق واحدة إلا أن تشائي ثلاثا فشاءت ثلاثا طلقت ثلاثا وإن لم تشأ أو شاءت دون الثلاث وقعت واحدة لأن هذا هو السابق إلى الفهم من ذلك وفيه وجه آخر أنها إذا شاءت ثلاثا لم تطلق لأنه علق وقوع الواحدة على عدم مشيئتها الثلاث ولم يوقع لمشيئتها شيئا فأشبه قوله‏:‏ إلا أن تشائي وإن قال‏:‏ أنت طالق إن شئت وشاء أبوك فشاء أحدهما منفردا لم تطلق لأنه لم يوجد الشرط‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن قال‏:‏ أنت طالق إن كنت تحبين أن يعذبك الله بالنار‏]‏

وإن قال‏:‏ أنت طالق إن كنت تحبين أن يعذبك الله بالنار أو قال‏:‏ إن كنت تحبين ذلك ‏[‏بقلبك‏]‏ فقالت‏:‏ أنا أحب ذلك ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ لا تطلق لأنها لا تحب ذلك وقولها كذب لا يلتفت إليه‏.‏

والثاني‏:‏ تطلق لأنه لما لم يوقف على ما في القلب علق على النطق كالمشيئة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن قال‏:‏ أنت طالق أو عبدي حر إن شاء الله‏]‏

فإن قال‏:‏ أنت طالق أو عبدي حر إن شاء الله طلقت زوجته وعتق عبده لما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال‏:‏ إذا قال الرجل لزوجته‏:‏ أنت طالق إن شاء الله فهي طالق ولأنه استثناء يرفع جملة الطلاق حالا ومآلا فلم يصح كاستثناء الكل فإن قال‏:‏ أنت طالق إن دخل الدار إن شاء الله ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ يقع الطلاق لما ذكرنا والأخرى‏:‏ لا يقع لأن الطلاق المعلق بشرط يمين فيدخل في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏من حلف على يمين فقال‏:‏ إن شاء الله فلا حنث عليه‏]‏ رواه الترمذي وقال‏:‏ حديث حسن غريب وإن قال‏:‏ أنت طالق إلا أن يشاء الله طلقت لما ذكرنا ولأنه علق رفع الطلاق على مشيئته لا يوقف عليها وإن قال‏:‏ أنت طالق ما لم يشأ الله أو إن لم يشأ الله طلقت لأنه علقه بمستحيل فإن وقوع طلاقها إذا لم يشأ الله محال ويحتمل أن لا يحنث وإن قال‏:‏ أنت طالق لتدخلن الدار إن شاء الله لم يحنث دخلت الدار أو لم تدخل لأنها إن دخلت فقد شاء الله وإن لم تدخل فلم يشأ الله تعالى‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏تعليق الطلاق قبل النكاح‏]‏

لا يصح تعليق الطلاق قبل النكاح فلو قال لأجنبية‏:‏ إن دخلت الدار فأنت طالق فتزوجها ودخلت الدار لم تطلق لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏[‏لا طلاق ولا عتاق فيما لا يملك ابن آدم وإن عينها‏]‏ رواه الدارقطني وفي لفظ ‏[‏لا طلاق فيما لا يملك‏]‏ رواه الترمذي وقال‏:‏ حديث حسن وروى أبو داود والطيالسي نحوه وإن قال‏:‏ كل امرأة أتزوجها فهي طالق وإن تزوجت فلانة فهي طالق ثم تزوجها لم يقع كذلك قال أبو بكر‏:‏ لا يختلف قول أبي عبد الله‏:‏ إن الطلاق إذا وقع قبل النكاح لا يقع وقال غيره عن أحمد‏:‏ ما يدل على أن الطلاق يقع لأنه يصح تعليقه على الإخطار فصح تعليقه على الملك كالوصية والمذهب الأول لما ذكرنا ولأن من لا يقع طلاقه بالمباشرة لا يصح تعليقه كالمجنون‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏تعليق الطلاق بعد النكاح‏]‏

إذا علق الطلاق بعد النكاح بوقت طلقت بأوله لأنه إذا علق بشيء تعلق بأوله كما لو قال‏:‏ أنت طالق إذا دخلت الدار طلقت بدخولها أول جزء منها فلو قال‏:‏ أنت طالق في رمضان طلقت بغروب شمس شعبان وإن قال‏:‏ أنت طالق اليوم طلقت في الحال وإن قال‏:‏ أنت طالق غدا طلقت بطلوع فجره فإن قال‏:‏ أردت في آخر الشهر واليوم والغد دين وهل يقبل في الحكم‏؟‏ يخرج على روايتين وإن قال‏:‏ أنت طالق في أول رمضان أو في غرته طلقت في أوله ولم يقبل قوله‏:‏ نويت آخره لأنه لا يحتمله وإن قال‏:‏ أردت بالغرة اليوم الثاني قبل لأنه محتمل لأن الثلاث الأول من الشهر تسمى غررا وإن قال‏:‏ أنت طالق إذا رأيت طلال رمضان طلقت بأول جزء منه لأن رؤيته في الشرع عبارة عما يعلم به دخوله بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته‏]‏ فإن قال‏:‏ أردت إذا رأيته بعينيك قبل لأنه فسر اللفظ بموضوعه ويتعلق لحكم برؤيتها إياه بعد الغروب لأن هلال الشهر ما كان في أوله ويحتمل أن يتعلق برؤيتها إياه قبل الغروب وبعده لأن هلال الشهر يتعلق به وجوب الصوم والفطر وإن لم تره حتى أقمر لم تطلق لأنه ليس بهلال واختلف فيما يقمر به فقيل بعد ثالثة وقيل باستدارته وقبل إذا بهر ضوءه وإن قال‏:‏ أنت طالق إلى شهر رمضان طلقت في أول جزء منه كقوله‏:‏ في شهر رمضان لأنه جعل الشهر غاية للطلاق ولا غاية لآخره فوجب أن يجعل غاية لأوله فإن قال‏:‏ أردت الإيقاع في الحال طلقت لأنه يقر على نفسه بما هو أغلظ وإن قال‏:‏ أنت طالق في آخر أول الشهر طلقت في آخر أول يوم منه لأنه أوله وإن قال‏:‏ في أول آخره طلقت بطلوع فجر آخر يوم منه لأنه آخره وقال أبو بكر‏:‏ تطلق في المسألتين بغروب شمس اليوم الخامس عشر منه لأنه آخر نصف الشهر الأول وأول نصفه الآخر‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا قال‏:‏ إذا مضت سنة فأنت طالق‏]‏

إذا قال‏:‏ إذا مضت سنة فأنت طالق اعتبر مضي سنة بالأهلة لأنها السنة المعهودة في الشرع فإن قاله في أثناء شهر كمل ذلك الشهر بالعدد ثلاثين يوما وأحد عشر شهرا بالأهلة وإن قال‏:‏ أردت سنة بالعدد وهي ثلاثمائة وستون يوما أو شمسية وهي ثلاثمائة وخمس وستون يوما قبل لأنه سنة حقيقية وإن قال‏:‏ إذا مضت السنة فأنت طالق طلقت بانسلاخ ذي الحجة لأن التعريف ‏(‏بالألف واللام‏)‏ يقتضي ذلك فإن قال‏:‏ أردت سنة كاملة دين وهل يقبل في الحكم‏؟‏ يخرج على روايتين وإن قال‏:‏ أنت طالق في كل سنة طلقة طلقت في الحال ثم إذا مضت سنة كاملة طلقت أخرى وكذلك الثالثة وقال أبو الخطاب‏:‏ تطلق الثانية بدخول المحرم وكذلك الثالثة فإن قال‏:‏ أردت أن تكون ابتداء السنين من أول الجديدة دين وهل يقبل في الحكم‏؟‏ يخرج على روايتين‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن قال‏:‏ أنت طالق إذا قدم فلان غدا ونحو ذلك‏]‏

وإن قال‏:‏ أنت طالق إذا قدم فلان غدا أو غدا إذا قدم فلان لم تطلق حتى يقدم لأن الطلاق لا يقع قبل شرطه فإن مات قبل قدومه لم تطلق لأنها لم تبق محلا للطلاق وإن قدم بعد الغد لم تطلق لفوات محل الطلاق وإن قال‏:‏ أنت طالق يوم يقدم فلان فقدم ليلا لم تطلق لأن الشرط لم يوجد إلا أن يريد باليوم الوقت فتطلق قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يولهم يومئذ دبره‏}‏ وإن قدم نهارا طلقت وهل تطلق في أول اليوم أو حين قدومه‏؟‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ تطلق من أوله كما لو قال‏:‏ أنت طالق يوم الجمعة‏.‏

والثاني‏:‏ لا تطلق إلا بعد قدومه لأنه جعل قدومه فيه شرطا فلا تطلق قبله فإن مات قبل قدومه طلقت على الوجه الأول ولم تطلق على الثاني‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن قال‏:‏ أنت طالق اليوم إن لم أطلقك اليوم‏]‏

وإن قال‏:‏ أنت طالق اليوم إن لم أطلقك اليوم لم يطلقها طلقت في آخر اليوم إذا بقي منه ما لا يتسع لقوله أنت طالق لأن معناه إذا فاتني طلاقك اليوم فأنت طالق وبهذا يفوت طلاقها وقال أبو بكر‏:‏ لا تطلق لأن شرط طلاقها خروج اليوم وبخروجه يفوت محل طلاقها وإن قال‏:‏ أنت طالق اليوم إذا جاء غد فقال القاضي في موضع‏:‏ يقع الطلاق في الحال لأنه علقه بشرط محال فلغا شرطه ووقع الطلاق كما لو قال لآيسة‏:‏ أنت طالق للبدعة وقال في المجرد‏:‏ لا تطلق لأنه لا يقع في اليوم لعدم الشرط وإذا جاء الغد لم يمكن الطلاق في اليوم لأنه زمن ماض‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن قال‏:‏ أنت طالق اليوم غدا‏]‏

وإن قال‏:‏ أنت طالق اليوم غدا طلقت واحدة لأن من طلقت اليوم فهي طالق غدا وإن قال‏:‏ أردت طلقة اليوم وطلقة غدا طلقت اثنتين لأنه يقر على نفسه بما هو أغلظ وإن قال‏:‏ أردت نصف طلقة اليوم ونصف غدا فكذلك لأن كل نصف يملكه بالسراية فيصيران طلقتين وإن قال‏:‏ أردت نصف طلقة اليوم وباقيها غدا فكذلك في إحدى الوجهين لأن باقيها نصف يكمل بالسراية‏.‏

والثاني‏:‏ لا تطلق إلا واحدة لأنه لما كمل النصف الأول لم يبق في الطلقة شيء فلا باقي لها فإن قال‏:‏ أنت طالق في اليوم والغد طلقت واحدة لما ذكرنا وإن قال‏:‏ أنت طالق في اليوم وفي الغد فكذلك في أحد الوجهين وفي الآخر‏:‏ تطلق طلقتين لأن إعادة حرف الصلة يقتضي فعلا فكأنه قال‏:‏ أنت طالق في اليوم وأنت طالق في غد‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏إذا قال‏:‏ أنت طالق بعد موتي‏]‏

إذا قال‏:‏ أنت طالق بعد موتي لم تطلق لأنها بعد موته بائن فليست محلا للطلاق وإن قال‏:‏ أنت طالق مع موتي لم تطلق لأن زمن البينونة زمن الطلاق فلم يمكن إيقاعه وإن تزوج أمة أبيه ثم قال‏:‏ إذا مات أبي فأنت طالق فمات أبوه لم تطلق لأنه يملكها بموت أبيه فينفسخ نكاحه فيجتمع الفسخ والطلاق فيمتنع وقوعه كالتي قبلها وفيه وجه آخر أنها تطلق لأن زمن الطلاق عقيب الموت وهو زمن الملك والفسخ بعد الملك فيتقدم الطلاق الفسخ فيقع وإن قال‏:‏ إن اشتريتك فأنت طالق واشتراها فعلى وجهين كالتي قبلها وإن قال الأب لجاريته‏:‏ إذا مت فأنت حرة وقال الزوج‏:‏ إذا مات أبي فأنت طالق فمات الأب وقعت الحرية والطلاق معا لأن الحرية تمنع ثبوت الملك له فلا ينفسخ نكاحه فيقع طلاقه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا قال‏:‏ أنت طالق أمس أو قبل أن أتزوجك‏]‏

إذا قال‏:‏ أنت طالق أمس أو قبل أن أتزوجك لم يقع الطلاق نص عليه لأنه إضافة إلى زمن يستحيل وقوعه فيه فلم يقع كما لو قال‏:‏ أنت طالق قبل موتي بشهر ومات قبل مضي شهر وقال القاضي في بعض كتبه‏:‏ تطلق لأنه وصف الطلقة بما لا تتصف به فلغت الصفة ووقع الطلاق كما لو قال لآيسة‏:‏ أنت طالق للبدعة وحكي عن أبي بكر أن الطلاق يقع في قوله‏:‏ أنت طالق قبل أن أتزوجك خاصة لأنه يمكن أن يتزوجها بائنا وهذا الوقت قبله فيقع فيه بخلاف التي قبلها وإن قال‏:‏ أردت طلاقها في الحال وقع لأنه يقر على نفسه بما هو أغلظ وإن قال‏:‏ أردت أني طلقتها أمس طلقت بإقراره وإن قال‏:‏ أردت أني طلقتها في نكاح آخر أو طلقها زوج قبلي فقد ذكرنا حكمه فيما مضى وإن قال‏:‏ أنت طالق قبل قدوم أخرى بشهر أو قبل موتي بشهر فقدم أخوه أو مات مع مجيء الشهر أو قبله لم تطلق لأنه زمن ماض وإن قدم أو مات بعد مضي شهر وجزء يقع الطلاق فيه تبينا أنه وقع في ذلك الجزء قبل الشهر فإن خلعها بعد تعليق طلاقها بيوم ثم مات أو قدم بعد التعليق بشهر وساعة وقع الطلاق دون الخلع لأنها بانت بالطلاق فكان الخلع لبائن وإن مات أو قدم بعد الخلع بشهر وساعة صح الخلع لأنه صادف زوجة ولم يقع الطلاق لأنها بانت بالخلع قبله وإن قال‏:‏ أنت طالق قبل موتي طلقت في الحال لأنه قبل موته وكذلك إن قال‏:‏ أنت طالق قبل قدوم زيد سواء قدم أو لم يقدم ذكره القاضي وإن قال‏:‏ أنت طالق قبيل موتي أو قبيل قدوم زيد لم يقع الطلاق إلا في الجزء الذي يلي الموت لأن ذلك تصغير يقتضي الجزء اليسير‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم تعليق الطلاق على مستحيل‏]‏

وإن علقه على مستحيل كقوله‏:‏ أنت طالق إن طرت ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ لا تطلق لأنه علقه على صفة لم توجد‏.‏

والثاني‏:‏ تطلق لأنه علق طلاقها على ما يرتفع به جملة فلغا الشرط ووقع الطلاق كقوله‏:‏ أنت طالق طلقة لا تلزمك ولو قال‏:‏ أنت طالق إن لم تطيري أو تقتلي الميت طلقت في الحال لأنه معلوم عدمه وإن قال‏:‏ أنت طالق لتطيرن فكذلك وحكي عن القاضي أنه لا يحنث‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الكتابة بالطلاق‏]‏

إذا كتب إليها‏:‏ إذا أتاك كتابي فأنت طالق فأتاها الكتاب طلقت إذا أتاها وإن ذهبت حواشيه أو انمحى ما فيه إلا ذكر الطلاق طلقت لأنه أتاها كتابه مشتملا على المقصود وإن انمحى كل ما فيه أو انمحى ذكر الطلاق أو ضاع الكتاب لم تطلق لأن المقصود لم يأت وإن ذهب الكتاب إلا موضع الطلاق ففيه وجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ تطلق لأن المقصود أتاها‏.‏

والثاني‏:‏ لا تطلق لأن الكتاب لم يأت وإن قال إذا أتاك طلاقي فأنت طالق ثم كتب‏:‏ إذا أتاك كتابي فأنت طالق فأتاها الكتاب طلقت طلقتين واحدة بمجيء الكتاب والأخرى بمجيء الطلاق‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا قال إن لم تخبريني بعدد حب هذه الرمانة فأنت طالق‏]‏

إذا قال إن لم تخبريني بعدد حب هذه الرمانة فأنت طالق فإنها تعد له عددا يعلم أن عددها داخل فيه ولا يحنث إذا نوى ذلك فإن لم ينو حنث في قياس المذهب لأن الأيمان تنبني على المقاصد وظاهر قصد الحالف العلم بكميته ولا يحصل بهذا فإن قال‏:‏ إن لم تميزي نوى ما أكلت من نوى ما أكلت فأنت طالق فأفردت كل نواة وحدها فالحكم فيها كالتي قبلها ولو وقعت في ماء جار فقال‏:‏ إن أقمت فيه أو خرجت منه فأنت طالق فقال القاضي في الجامع‏:‏ هي كذلك لأن الظاهر قصده خروجها من النهر وقال في المجرد لا يحنث بحال لأن الماء الذي كانت فيه جرى وصارت في غيره ولو قال‏:‏ إن كانت امرأتي في السوق فعبدي حر وإن كان عبدي في السوق فامرأتي طالق وكانا في السوق عتق العبد ولم تطلق المرأة لأن العبد عتق باللفظ الأول فلما عتق لم يق له في السوق عبد ولو كان فيها تمرة فقال‏:‏ إن أكلتيها أو أمسكتيها أو ألقيتيها فأنت طالق فأكلت بعضها ورمت بعضها انبنى على بعض المحلوف عليه ولو كانت على سلم فحلف عليها ألا تنزل عنه ولا تصعد عنه ولا تقف عليه فإنها تنتقل إلى سلم آخر ثم تنزل أو تصعد لأن نزولها أو صعودها إنما حصل من غيره ولو سرقت زوجته منه شيئا فحلف‏:‏ لتصدقني أسرقت مني شيئا أم لا‏؟‏ وكانت قد سرقت منه وخشيت أن تخبره فإنها تقول‏:‏ سرقت منك ما سرقت منك وتكون ‏(‏ما‏)‏ هاهنا بمعنى الذي‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏تعليق الطلاق على صفة‏]‏

ومتى علق طلاق زوجته على صفة ثم أبانها ثم تزوجها قبل الصفة عادت الصفة لأن العقد والصفة وجدا منه في الملك فأشبه ما لو لم يتخللها بينونة وإن وجدت الصفة حال البينونة لم ينحل اليمين لأنه لم يحنث في يمينه فلم تنحل كما لو لم توجد الصفة ولأن الملك مقدر في يمينه لقييد الطلاق به ويتخرج أن تنحل الصفة بناء على قوله في العتق وهو اختيار أبو الحسن التميمي لأن الصفة وجدت فانحلت اليمين بها كما لو وجدت حال الملك ولأن اليمين إذا تعلقت بعين لم تتقيد بالملك كما لو لم حلف‏:‏ لا يدخل هذه الدار وهي ملكه والله أعلم‏.‏